الفرض التأليفي الأول في الإنشاء السنة التاسعة مرفق بالإصلاح

الفرض التأليفي الأول في الإنشاء السنة التاسعة مرفق بالإصلاح

الموضوع : اِجتاز أحد أقاربك مناظرة داخليّة للّترقية في عمله، ولكن زميلة له نجحت وترقّت لتصبح رئيسته المباشرة. أثار ذلك استياءه ، إذ يرى أن المناصب الهامّة يجب أن تقتصر على الرّجال ، وأن مكان المرأة هو المنزل لرعاية الأطفال. فَحَاوَلْتَ تغيير موقفه بتقديم حجج تُثْبت حقّ المرأة في تولّي المناصب الهامّة وقُدْرَتِها على النّجاح فيها.

الإصلاح

لَطَالَمَا كانت النّقاشات حول دور المرأة في المجتمع تثير اهتمامي، لكن الأمر اتخذ طابعًا شخصيًا حين أثار قريبي غضبي بتعليقاته المتحيّزة بعد ترقية زميلته. قرّرْتُ أن أخوض معه حوارًا عقلانيًا عسى أن أغيّر نظرته.

لم أكن أتوقّع أن تتسبّب ترقية زميلته  في إثارة كل هذا الجدل. كان غاضبًا، لأن المنصب فاته، و اعتبر أن المرأة لا يجب أن تعتلي مثل هذه المناصب. كانت أفكاره المتحيّزة تزعجني، ليس فقط  كونها غير منطقيّة، بل لأنّها تُعيق تطوّرنا وتقدّمنا كمجتمع معاصر  . قرّرت أن أتحاور معه، لعلّني أفتح أمامه بابًا جديدًا للتّفكير.

جلست إلى جانبه، محاولاً التّخفيف من حدّة انفعاله. كان يبدو عليه الغضب والخيبة، وقال بصوت يملؤه التذمّر: ”  زميلتي تصبح رئيستي! أي نوع من العدالة هذا؟ المناصب العليا يجب أن تكون للرّجال. المرأة ضعيفة، وعملها الحقيقي في بيتها مع أطفالها.”

تملكتني مشاعر مختلطة بين الحزن والغضب، لكني أبقيت هدوئي وقلت: “هل تعتقد أن الكفاءة والقدرة على القيادة تعتمد على كون الشّخص رجلاً أو امرأة؟”

نظر إليّ نظرة ملؤها التحدي وقال: “الرّجال أقوى وأكثر قدرة على تحمل المسؤوليّات الكبرى. المرأة، مهما كانت، لا تستطيع أن تتحمّل الضّغوط.”

ابتسمت وقلت: “دعني أُذكّرك بشيء. المرأة تتحمّل الحمل والولادة وتربية الأجيال. هذه مسؤوليّات تتطلب قوّة وصبرًا لا يُضَاهِيَان. فكيف لا تكون قادرة على قيادة فريق   أو مؤسسة؟”

صَمَتَ للحظة، فاغتنمت الفرصة وقلت: “لنأخذ أمثلة من الواقع. هل سمعت عن ‘جاكيندا أرديرن’، رئيسة وزراء نيوزيلندا؟ قادت بلادها خلال أزمة جائحة كورونا بنجاح مُبْهِر، وكانت مثالاً في القيادة الإنسانية والحزم. أو هل تعلم أن شركات التكنولوجيا الكبرى،  مثل “يوتيوب” قادتها نساء مثل “سوزان وجسيكي”، وحققن إنجازات مذهلة؟”

قال بتردد: “لكن ربما لديهن استثناءات. الغالبيّة لا تستطيع تحقيق ذلك.”

قلت: “بلى  تستطيع ، و  الإحصائيّات تثبت ذلك :

 تقرير من “كونباني وماك كنزي”   يؤكد أن المؤسّسات التي تضمّ قيادات نسائيّة تحققّ أداءً أفضل بنسبة 25 % .

 بدا عليه بعض الاهتمام، ثمّ أردف : “لكن المرأة مسؤولة عن أسرتها. كيف يمكنها الموازنة بين العمل و العائلة ؟”

قلت له مبتسما : “وهل تساءلت يومًا عن دور الرجل في الأسرة ؟ المسؤوليّة مشتركة وليست حكرا على المرأة فقط ،  ثمّ أنّ المرأة التي تنجح في عملها غالبًا ما تكون أكثر تنظيمًا وتوازنًا في حياتها، وأطفالها يتعلّمون منها قيم الاجتهاد والمثابرة.  وكما قال الشاعر حافظ ابراهيم : “الأمّ مدرسة إذا أعددتها  أعددت شعبا طيب الأعراق .

أضف إلى ذلك، أن توفير بيئة عمل داعمة مثل الحضّانات وخيارات العمل المرن يسهم في نجاحها.”

ثم أضفت: “هل تعلم أن تونس ضمّت ولا زالت تضمّ  نساء قياديات حققن نجاحات عظيمة؟ خذ مثلاً :  توحيدة بن الشيخ، أول طبيبة في تونس والعالم العربي، التي كرّست حياتها للنّهوض بالصحّة العامّة وخصوصًا صحّة النّساء والأطفال. أو بشيرة مراد، الناشطة النّسوية التي لعبت دورًا كبيرًا في الدفاع عن حقوق المرأة وتعزيز مشاركتها في الحياة العامّة. أليستا مثالاً حيًا على قدرة المرأة على القيادة والتغيير الإيجابي؟”

ابتسم قليلاً، وكأنه بدأ يفكّر بعمق، ثم قال: “ربّما كلامك يحمل شيئًا من الصحة. لكنني لا أزال أحتاج لبعض الوقت لتقبّل  هذه الفكرة .”

أجبته بلطف: ” تغيير  أفكارنا البالية  ليس سهلاً، لكنه يبدأ بإعادة النظر في القناعات القديمة. النّساء والرّجال يكمّلون بعضهم البعض، ونجاح أحدهما هو نجاح للمجتمع بأسره.”

غادر قريبي النقاش وقد هدأت انفعالاته  وشعرت أن الحوار لم يكن مجرد جدال، بل خطوة أولى نحو بناء قناعة جديدة لديه. أدركت حينها أن مثل هذه النّقاشات الصّغيرة، قد تكون حجر الأساس لتغيير أكبر وأعمق في المجتمع.

Vous aimerez aussi...

مكتبتي المنصة التعليمية
error: Content is protected !!